مراجعة للمعرض الثاني للملصقات المناهضة للإمبريالية: النيوليبرالية

“النيوليبرالية” لGreta Acosta Reyes (كوبا)، 2020

نرسم لأن الصراخ لا يكفي و

لأن لا البكاء و لا الغضب كاف

نرسم لأننا نؤمن بالناس و 

لأننا سننتصر لا محالة على الهزيمة

( مقتطف من قصيدة لMario Benedetti تحت عنوان “لماذا نغني” )

عندما تحتاج الشعوب إلى التعبير أو قول شيئ عاجل فإنهم لا ينتظرون المصممين لأجرأتها، بل إنهم يأخذون بزمام الأمور، عن طريق إنتاج ملصقات و دفاتر يد قدر الإمكان – وأحيانًا بنتائج مذهلة! في خضم هذه العملية، يصبحون أيضًا مصممين وعضويين في حركاتهم ومجتمعاتهم وسياقاتهم. الملصقات في المعرض الثاني للملصقات المناهضة للإمبريالية: النيوليبرالية،  تم إبداعها من قبل فسيفساء من المشاركين، فهناك ملصقات أنتجتها أنامل مصممين مدربين و أخرى تفنن في بلورتها فنانون عصاميون أو حتى ناشطون و مناضلون دون تدريب رسمي.

تم إنشاء الملصقات المعبرة عن النيوليبرالية بأشكال متنوعة و باستخدام برامج تصميم أكثر تعقيدًا و تقنيات يدوية بالإضافة إلى أساليب هجينة، كما أن هذا الإبداع و التنوع يأتي سباقا عن مسألة الموارد وفي نفس الوقت ظروف الإنتاج.

بشكل ساحر، تعرض الملصقات مجموعة متنوعة من الأساليب الفنية والتصاميم، انطلاقا من بساطتها في إبداعات Choo Chon Kan (الحزب الإشتراكي الماليزي)، إلى الرسوم التوضيحية الصاخبة لMiguel Guerra (فينزويلا: utopix)، مرورا بنهج الكتاب الهزلي Roland Nalukoma Cubaka (حب الكونغو، جمهورية الكونغو الديمقراطية)، و وصولا إلى الطباعة الأنيقة من Nancy Naser Al Deen (لبنان)، بحيث أن هناك شيء من كل ملصق يستحضر الثقافة التي تم إنشاؤها فيها.

في حين أن الملصقات تعتبر سلاح نضال المضطهدين في جميع أنحاء العالم، هناك عدد قليل من الأماكن التي طورت هذا التقليد إلى فن وعلم قائم بذاته كما فعلت كوبا، فمنذ الثورة الكوبية، أنتجت هذه الدولة الصغيرة عشرات الآلاف من الملصقات السياسية لاستخدامها محليًا وكذلك في أراضي أخرى، مما أدى إلى الرفع من وتيرة كفاح الشعوب دوليًا. توضح لنا ملصقات المعرض الستة الخاصة بكوبا كيف أن جيلًا جديدًا من الفنانين الكوبيين واصلوا على نفس هذا التقليد الرائع.

على الرغم من الصيغ الرسومية المختلفة للملصقات، والسياقات الإقليمية التي استلهمت منها، و وسائل الإنتاج المتداخلة في إنتاجها، فإن المعرض موحد من خلال تأمله في “النيوليبرالية” باعتبارها خاصية مميزة لعصرنا، يصعب فهمها في بعض الأحيان، لكن هذه السلسلة من الملصقات نحاول من خلال تقسيمها إلى عدد من المواضيع المرئية، معالجة مجموعة من المفاهيم المتداخلة: العمل اليدوي، الاستنزاف، الخصخصة، التقشف، التمويل و الأمل والمقاومة.

ما تشترك فيه كل هذه الملصقات هو التعبير عن الحاجة الملحة لترجمة هذا المفهوم الصعب في سياق تجارب الناس، و الترابط بين النضالات الخاصة و تأثرها بالنظام الرأسمالي العالمي. هذه الملصقات هي أسلحة النضال.

العمل اليدوي

“هيكل الإضطهاد” لMiguel Guerra (فنزويلا)، 2020

تتيح لنا الأعمال الفنية المتاحة في المعرض الثاني للملصقات المناهضة للإمبريالية: النيوليبرالية، الإطلاع على وجهات نظر مختلفة لنفس المشكلة بلغات و ثقافات متنوعة تعيشها معضم المناطق لكن بصيغ متباينة. كما يتيح لنا هذا النوع من المبادرات الفنية أن نشارك مع الآخرين الأشياء الجيدة و كذلك السيئة التي تقابلنا، مما يجعل منها انعكاسا للتجارب التي مرت منها الثقافة، الشعب والطبقة ورفعها إلى مستوى يمكن من خلاله استشراف التناقضات الكامنة و محاولة دفعها إلى الأمام في سبيل دحرها -يتعلق الأمر ببناء لغة مشتركة في سبيل تعزيز العمل المشترك-.
يضم المعرض ملصقات تم إنشاؤها بأشكال متنوعة – باستخدام أكثر برامج التصميم تعقيدًا والتقنيات اليدوية والأساليب الهجينة. هذا التنوع يسبق مسألة الوصول إلى الموارد وفي نفس الوقت شروط الإنتاج.
لقد اخترنا تسليط الضوء على الأعمال التي تم إبداعها يدويًا، لأننا نعيش في عالم يتسم بهيمنة التكنولوجيا، لدرجة أنه يمنعنا أحيانًا من إبداع أو حتى الإطلاع على الفن الذي يتم تسطيره بوسائل يدوية، و ما نخشاه في هذه السيطرة التكنولوجية، هو أنه و باعتبار العمل اليدوي ليس مثاليًا و معقد إلى حد ما من الناحية التقنية، فإنه سينتج عنه فقدان و تهميش للأدوات اليدوية، و التي يسهل الوصول إليها غالبًا، في خضم معركة الأفكار وصراع الطبقة العاملة، وكذلك سيفوت علينا الفرصة لمشاهدة إبداعات جيدة ومتنوعة مثل تلك التي نراها في هذا المعرض.
إن العمل اليدوي لا يؤدي فقط إلى الرقي بإمكانات التعبير فحسب، بل يساعد أيضًا على ربط الأفكار التي يتم نقلها إلى ذواتنا، فعند إعداد الملصق يدويًا، نشرك وننشط الجسم بطريقة لا يسمح بها العمل الرقمي، كما أنه من خلالها نشعر بالإيماءات القوية في الأعمال المرسومة يدويًا لـ Ciara Taylor (مشروع التعليم الشعبي ، الولايات المتحدة)، و التفاصيل الدقيقة للهجرة في لوحة Labani Jangi (أرشيف الشعب في المناطق الريفية في الهند ، الهند)، وصولا إلى ملصق Deivisom Shirmer de Lima (جمعية المقيمين بحي ريفيرا/ ساو بيدرو دو سول، البرازيل) والذي يعبر عن منحنيات المعاناة الإنسانية.
انطلاقا من رؤيتنا التنظيمية للأعمال الفنية، ارتأينا أن اختياراتنا لا يجب أن تعتمد في حكمها و تحليلها للملصقات على المعايير البرجوازية للجماليات و التقنية، ولكن حول قدرة هذه .الأعمال على تقديم رؤى لواقع ملموس لنضالات الناس ضد النيوليبرالية في جميع أنحاء العالم

الإستنزاف

“الإثراء غير المشروع للأغنياء من خلال الحروب و استغلال الثروات المعدنية” لRoland Nalukoma Cubaka (حب الكونغو/ ASBL، الكونغو الديمقراطية)، 2020

يعتبر الاستغلال الرأسمالي وعلاقاته الإنتاجية أكثر وضوحا و استشراءا في البلدان البعيدة عن المراكز الرأسمالية، باعتبار أن هذه المناطق تتميز بوجود خزان للعمالة الفائضة، المستعدة للتنازل عن أمور كثيرة في سبيل تأمين قوت العيش، و تزخر بالموارد الطبيعية والسلع الاجتماعية، بحيث يعتبر هذا هو المنطق المتحكم في رؤية الرأسمالية لمرحلة التوسع الإمبريالي.
لقد استندت الرأسمالية منذ نشأتها إلى منطق التوسع الذاتي، أي أن رأس المال لا يعمل إلا على تكديس المزيد من رأس المال، و في سبيل ذلك أدرجت جميع العلاقات الاجتماعية للإنتاج والتوزيع والتبادل ضمن أولوياتها.
ومع كل ما تحققه الرأسمالية من تكديس للأرباح، إلا أنها في أحدث مراحلها، و المتجلية أكثر في “التراكم من خلال نزع الملكية”، تعرض بشكل متزايد بقاء الكوكب والبشرية للخطر. إن التكاثر المتضخم لرأس المال يحيل على التحول التجاري لجميع جوانب الحياة وجميع الموارد الطبيعية التي تسمح بتنمية البشرية، من الماء والطبيعة إلى الصحة والتعليم.
تم تعزيز التراكم من خلال نزع الملكية بوضوح لاسيما مع اعتماد الهجوم النيوليبرالي في التسعينيات ونموذج التصدير المستنزف، بجانب خصخصة جميع القطاعات والتقدم الهائل في تسويق السلع العامة والطبيعية.
إن الإستنزاف لا يعرف معنى للحدود. في هذا المعرض، نرى و نستحضر هذا الموضوع من خلال تقلص الموارد المعدنية لبابوا وصولا إلى مثيلاتها في الكونغو، و احتكار معضم خيرات الطبيعة في الرأس الأخضر و البرازيل.

الخصخصة

“مياه” لKelana Destin (إندونيسيا)، 2020

لا تسمح الخصخصة بتلبية الإحتياجات الضرورية للعيش فهي تحتكر كلا من المياه و الأشجار و التربة وثمار العالم، كل ذلك في سبيل تحقيق الأرباح، فكل ما تحتاجه البشرية للبقاء على قيد الحياة و كل ما تنتجه الطبقة العاملة تستفيد منه القوى الرأسمالية نتيجة الخصخصة، لدرجة أن كل ما يمكن أن تكون له فائدة مشتركة لا يمكن أن يبقى بحرية مع الناس، ولا أن يستخدم للصالح العام.
تعمل النيوليبرالية على إضفاء الطابع الاجتماعي على الخسائر وخصخصة المكاسب، كما أن أحد أعمدة هذه الهيمنة هو إجبار البلدان على خصخصة ما يجب أن يمتلكه المجتمع للصالح العام، و قد استمرت هذه العملية لسنوات طويلة عانت خلالها المجتمعات ويلات تحول السلع و الخدمات إلى قطاع خاص لا يرحم، فقد تم إلغاء البرامج العامة تدريجياً ولم تعد الرعاية الاجتماعية مسؤولية أولئك الذين يتم انتخابهم.
لقد أصبح تناول الطعام امتيازًا لفئة واحدة، طبقة مكونة من أشباه النسور وآكلي لحوم البشر، بالإضافة إلى أن المستشفيات تم تحويلها لما يشبه العقار، فكل سرير و آلة يتم النظر إليها من خلال مداخيل تأجيرها دون الإلتفات إلى المستفيد، كما أن التعليم لم يسلم من هذه الممارسات فقد أصبح التفكير في خلق المزيد من العمالة التي يمكن بيعها، لا سيما من خلال ربط مراكز التعلم الكبرى، أكياس من الديون بكاحل الشباب. لقد أصبحت الدول المستعمرة سلعا يتم بيعها وتداولها في السوق العالمية تجلى هذا في ملصق من بورتوريكو ل Malena Vargas Sáez، كما أن هنالك قارات بأكملها بما في ذلك شعوبها و حتى الهواء الذي يتم تنفسه تم استباحتها للبيع و هذا ما تحاول إيصاله لنا Kalia Venereo (كوبا) من خلال ملصقها المعنون ب”للبيع”. هذه هي الخصخصة.

هل يجب أن نقاوم؟ عند نطق هذه الكلمات تلحظ فوهة البندقية تحوم في الأفق. هل يجب أن نسأل؟ و بينما لازال صدى السؤال باديا يتم نقل مستوصف الأدوية المتنقل لتغطية كافة مناطق المعمورة في سبيل توزيع حبة الدواء الكبيرة (النيوليبرالية) التي أصبحت جزءا من حياتنا اليومية و التي عبرت عنها Priscila Adamo (الأرجنتين) في ملصق بعنوان “موانع الإستعمال”.
ماذا تبقى لشعوب العالم؟ لقد أصبح جمع فروع الحطب المتساقطة قصد التدفئة جريمة، كما أقيمت جدران شاهقة للحفاظ على الممتلكات في مأمن من أيدي “جشع” السكان الجوعى الذين لديهم الجرأة لمحاولة البقاء على قيد الحياة، في مقابل ذلك هناك رجال يرتدون أحذية طويلة يدوسون على ظهورنا ويضغطون على أعناق الناس.

 

التقشف

“حرية الإختيار؟” لChoo Chon Kai (الحزب الإشتراكي الماليزي)، 2020

“هم يقطعون، و نحن ننزف” تعبير موجز يحمل وصفا دقيقا للتقشف، الذي يعتبر جزء لا يتجزأ من السياسة الاقتصادية النيوليبرالية. إن تقليص القطاع العام هو أكثر من مجرد عملية عقيمة بين البيروقراطيين لجمع وطرح الأرقام التي تميز الأرباح وكتابة حجج مقنعة في تقرير الميزانية، بل هي عملية عنيفة بتعبير رقيق تروم تمزيق الموارد والخدمات التي يجب على الدولة توفيرها لشعبها، و بذلك تجعلهم أقل أمنا وأقل استقرارًا وعرضة لأي أزمة.
أثبت الإقتصاد المبني على التقشف مرارًا وتكرارًا أنه فاشل، ومع ذلك يستمر المقص العظيم للمؤسسات المالية الدولية في التحرك بسرعة كبيرة. و كتجسيد لما تعانيه الشعوب من ويلات جراء هذه السياسات هو أنه بينما تنصح الدول مواطنيها بارتداء الأقنعة، غسل أيديهم، و البقاء في المنازل، فإنهم بالمقابل يخبرون نفس هذه الفئة العريضة، أنه لن يكون هناك المزيد من الدعم الاجتماعي الممول من الدولة وعليهم بدلاً من ذلك “العمل بجدية أكبر”.
واحدة من أكبر أكاذيب التقشف هي فكرة أن الناس يطالبون بطريقة ما بأشياء مجانًا، ولكن هم لا يطالبون سوى بأشياء تعود في الأصل لهم و لعل ملصق “مياه” لKelana Destin قد عبر عن ذلك ببراعة.

التمويل

“لتسقط النيوليبرالية” لNancy Naser Al Deen (لبنان)، 2020 

تدرك الطبقة الحاكمة في العالم بأكمله أنها أفلست أخلاقياً, كما أنها تحاول أن تعوض عن إفلاسها السياسي من خلال اللعب على وتر الأخلاق وجمعيات الإحسان وحقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية, كل ذلك بالإضافة إلى المؤسسات المملوكة لكبار أصحاب المليارات و التي تحمل أسماءهم. و لعل ما يميز إنشاءهم لهذه الجمعيات هو رغبتهم في إلباس أنفسهم مسوحاً أخلاقية لا تمت إليهم بصلة. إنهم يعرفون أن ما تراكم لديهم هو تعبير واضح عن الفساد الذي يغمرهم إلى أخمص أقدامهم و كالعادة  يخلطون بين هذه التعابير في سبيل التعمية و تحويل الأنظار عن قضايا الفساد غير المفهومة التي تحدث في العتم, خصوصا عندما يتعلق الأمر بالحسابات المرصودة في الجزر النائية, حسابات معظم الأحيان تكون مشفرة كي لا يعرف أحد مالكيها و بذلك يستحيل كشفها, بالإضافة إلى التهرب من دفع الضرائب بكل سهولة, فالفقراء وحدهم من يتحملون وزر معظم الضرائب. إن أصحاب الثروات هم من يحددون و يقررون سياسات الدول التي تستوعبهم, و هذه الدول تموّل نفسها من جيوب الفقراء لا أصحاب الثروات الكبرى و في المقابل لا تستفيد هذه الطبقة المضطهدة من الخدمات التي يجب على الدولة أن توفرها لهم, ما يحيلنا على أن الدولة بالإجمال يمولها الفقراء وينهبها الأغنياء, في تجل لا يعتبر شاذا إذا ما استحضرنا التحولات الكثيرة التي ميزت الوضع الحالي و التي تعرف بروز تمظهرات جديدة لعل أبرزها التحول الذي مس السوق من خلال أن الإنتاج لم يعد قائما على الابتكار والمعرفة في القطاع الحقيقي، و الذي يعتمد الحماية، قصد مواكبة المراحل الأولى لنشوء هذا السوق ريثما يشتد عوده وضمانا لتحصين العوائد، وكذلك على الاستهلاك الجماهيري الواسع القائم على الأجور الحقيقية المتنامية في القطاعات ذات الاستهلاكية العالية بدرجة أولى. وعوضاً عن ذلك، انتقل الريع في عصر ما يسمى بالنيوليبرالية بالكامل تقريباً إلى القطاع المالي المضارب، واضعاً بذلك “قنبلة موقوتة” تحت أساس النظام الرأسمالي برمته.

ففي ظل النموذج النيوليبرالي، نشأ وتطور اقتصاد افتراضي يتداول بمعزل عن النشاط الاقتصادي الحقيقي. هذا الاقتصاد الافتراضي يرتكز على الربح الريعي السريع من خلال المضاربات في الأسواق المالية والمضاربات العقارية. فصار يحقق أرباح طائلة ويراكم ثروات هائلة في أيدي المضاربين، من دون أن يكون له علاقة بالإنتاج، وهذا ما خلف لنا ظاهرة تسمى “الأرباح من دون إنتاج”. فأسهم الشركات وقيم سندات المال لم تعد ترتبط بإنتاجية المؤسسة وأرباحها، بل بحال السوق المالية والعرض والطلب على هذه الأسهم والسندات، بوصفها سلعة أساسية ومستقلة عن المؤسسة التي تصدرها، والتي يمكن أن تصعد أو تهبط قيمتها نتيجة مضاربات أو إشاعات تبث من دون أساس أحيانا.

ظهرت مع استشراء هذا الأقتصاد و احتكاره حيزا مهما, اختلالات عميقة وبنيوية في الاقتصاد الرأسمالي العالمي، أبرزها وأكثرها خطورة الاختلال بين رأس المال المالي الهائل المتراكم، من جهة، وبين الاقتصاد الحقيقي المنتج للسلع الذي يخلق الثروة الحقيقية، من جهة أخرى. ونتيجة لذلك حصلت زيادة كبيرة في المخاطر، ناجمة عن عولمة المعاملات المالية من دون ضوابط أو قيود، واتسع إلى حد كبير الفارق بين حجم الاقتصاد المالي وحجم الاقتصاد الحقيقي، لمصلحة الأول. و لعل أبرز ما يمكن أن يعبر عن هذا الوضع إشارة سمير أمين إلى أن “حجم التبادلات المالية هو ألفا تريليون دولار، فيما البنية الإنتاجية، وإجمالي الناتج الوطني على الصعيد العالمي هو فقط 44 تريليون دولار. إنه تفاوت عملاق في النسب”, مردفا بأنه”جرى نقل المركز الأساسي للقرار الاقتصادي، من إنتاج القيمة المضافة في القطاعات الإنتاجية، إلى إعادة توزيع الأرباح التي تأتي بها المنتجات المشتقة من التوظيفات المالية”.

لقد انتقل الوضع في ظل النيوليبرالية إلى نمو الأسواق المالية بصورة مستقلة عن حاجات التمويل الفعلية، مما جعل قيادة الاقتصاد العالمي تنتقل من أيدي المستثمرين وأصحاب المشاريع العاملة في ميدان الاقتصاد الحقيقي، إلى عهدة المدراء الماليين وخبراء الأسواق الذين يتعاملون مع اقتصاد افتراضي بعيد عن أرض الواقع. وفي ظل كل هذا تقلص دور الدولة وحُصر في مجال السياسة النقدية بهدف مكافحة التضخم. فتخلت الدولة عن مهمة حماية الاقتصاد والصناعات الناشئة، وأفلتت العنان للمصارف للتوسع في الإقراض غير المسؤول وتقديم قروض بدون اعتبار، وتركت الأسواق المالية تحت وطأة جنون المضاربات، بدلاً من أن تسعى إلى تنظيم الأسواق وضبط أعمال المؤسسات المالية المصرفية الكبرى.

الأمل و المقاومة

“النيوليبرالية” لVikas Thakur ( معهد البحوث الإحتماعية: Tricontinental، الهند)، 2020

يتجلى الأمل في المبادرات المقاومة و المناهضة للنيوليبرالية، كما أن ينبثق من الناس وهم يكافحون من أجل مجتمع جديد، مجتمع يضع مصالح البشرية سباقة على أرباح الشركات. تعرض الأعمال الفنية في المعرض الثاني للملصقات المناهضة للإمبريالية: النيوليبرالية، تأثيرات النيوليبرالية على أسلوب حياتنا و في نفس الوقت تقدم بصيص أمل ينبثق من نضالات الشعوب.
ينبع جمال هذه المجموعة من الملصقات في جزء كبير منها من خلال الطرق الفريدة التي يستخدم بها هؤلاء الفنانون الألوان والصور لتصوير المقاومة والأمل.
يستخدم Obed Mayambau Ngama (كونغو لوف ، جمهورية الكونغو الديمقراطية) الألوان قصد تجسيد الهاوية المظلمة للنيوليبرالية، والآثار السامة لهذه الأيديولوجية، كما يمثل العامل الذي يكافح ضد ثقل استغلال الشركات، فيما يستعمل أديب حمدان (اتحاد الشباب الديمقراطي الفلسطيني ، فلسطين) كذلك الألوان لإبراز مقاومة الشعب الفلسطيني للإرهاب والقمع الذي يمارسه الإحتلال برعاية الولايات المتحدة، بينما فضلت Gerónimo Dellacasa (الأرجنتين) التدرج في إدراج الألوان في ملصقاتها لتصوير الصدام بين المضطهدين والظالمين النيوليبراليين.
تصور الصور التفصيلية في العمل الفني المرسوم يدويًا لPhilani Emmanuel Mhlungu (حزب العمال الثوري الاشتراكي / لجنة عمل سويتو، جنوب إفريقيا) نضالات الشعوب ضد النيوليبرالية ونحو مستقبل الاشتراكية، كما توضح Judy Seidman (جنوب إفريقيا) من خلال عملها الفني نضال الطبقة العاملة وتبرز تكاثف المضطهدين رغم الإختلاف الذي صورته الإمبريالية بهم معا في النضال، فيما يستخدم Danny Isham (الولايات المتحدة) خطًا من الترسيم لإظهار أن العمال يقفون على الجانب الصحيح من التاريخ ضد سياسات السوق الحرة للنيوليبرالية، بينما يرسم Haydar Özay (تركيا) صورة شرسة لكارل ماركس ونصه الذي يستمر في تنوير حركاتنا ونضالات الشعوب في جميع أنحاء العالم، و في الأخير تقدم Un Mundo Feliz (إسبانيا) تجسيدا لرمز اليورو متراكبًا مع رمز المرأة، تحاول من خلال هذه الرموز تحذيرنا من أنه لا يمكننا السماح للنيوليبرالية بتحويل و تشييئ النسوية و جعلها مقتصرة على ارتداء قميص بقيمة ما، تخيطه آلاف النساء على الجانب الآخر من الكوكب، يجب أن نضع في قلب الصراع أولئك الذين هم في قلب الاستغلال، فإما أن تكون النسوية مناهضة للرأسمالية أو لن تكون على الإطلاق.
تكمن أهمية هذه الملصقات في أنها تظهر أن النيوليبرالية لن تنتهي بدون جهد منسق ومنظم قائم على نضالات الشعوب، كما تجسد هذه الملصقات بقوة النضالات اليومية والنضال من أجل إنهاء النيوليبرالية في سبيل الإنسانية.


This text was prepared collectively by the curation team of the Anti-Imperialist Poster Exhibition:

Luciana Balbuena, Tricontinental: Institute for Social Research (Argentina)

Gabriela Barraza, Escuela José Carlos Mariátegui (Argentina)

Ibnou Ali Abdelouahad, Democratic Way (Morocco)

Tings Chak, Tricontinental: Institute for Social Research (China)

David Chung, The People’s Forum (USA)

Sudhanva Deshpande, LeftWord Books (India)

Ingrid Neves, Tricontinental: Institute for Social Research (Brazil)

Mikaela Nhondo Erskog, Socialist Revolutionary Workers Party (South Africa)

Nora García Nieves, Partido Comunista de España (Spain)

Zoe PC, International People’s Assembly and People’s Dispatch (USA)

Ambedkar Pindiga, Tricontinental: Institute for Social Research (India)